سعادو على وارسامي: وداعاً بلبل الصومال الغِرِّيد

ساغال شيخ علي، بتحرير

اللوحة: حسين مرغني، السودان
اللوحة: حسين مرغني، السودان

في حوالي الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الخميس الموافق  الثالث والعشرين من يوليو 2014، كنت داخل فرع مصرف محلي فى العاصمة الصومالية مقديشو، حين سمعت صوت ثلاثة أعيرة نارية. وللوهلة الأولى، ظننت أنه من المُحتمل أن يكون هناك جنود يطلقون النار في الهواء، للتخفيف من الازدحام المروري على الطريق الرئيسي، وبعد بضع ثواني من صوت الأعيرة النارية، دخل إلى الفرع رجلٌ وهو يصرخ، بأن نائبةً برلمانيةً قد أُغتيلت؛ لم يكن في تصوري أو تصور أي شخصٍ آخر كان داخل المصرف في ذلك اليوم المأساوي، أن تلك الطلقات هي التي أردت واحدة من أكثر المُغنِّيات المحبوبات في الصومال، وعضوة بالبرلمان، سعادو على وارسامي، هو الاسم الذي يكاد يُثير العواطف المتأججة في كل بيت صومالي.

فنانة  موهوبة و مرتبطة بقضايا بلدها

 ولدت في خمسينات القرن الماضي في قريةٍ صغيرةٍ تقع بالقرب من بوهوودل تسمى هدهدنكا، وقد اشتهرت في العاصمة مقديشو، بعد أن اكتشفها أحد أصدقاء عائلتها. كانت وقتها فتاة شابة نحيلة وجميلة وتتميز بقصة شعر آفرو آثره. برزت سعادو ليس لمجرد عذوبة صوتها، ولكن أيضاً لجمالها وسلوكها. التحقت في سنة 1973م بفرقة “ابري” لتُصبح ضمن واحدةٍ من أكثر الفرق الموسيقية شهرةً في البلاد، والتي كانت خلال تلك الفترة تتألف من العديد من الموسيقيين البارزين. وقد درجت العديد من النساء خلال تلك الحقبة على تقليد أسلوبها وخيلائها، فقد كانت بمثابة أنموذج لـ “صوفيا لورين” في القرن الأفريقي، بعد أن استطاعت أن تتفوق على مثيلاتها في الغناء.

 كان إسناد أدوار مسرحية للموسيقيين خلال حقبة السبعينيات أمراً شائعاً في الصومال، حيث لم تتخلف سعادو عن ذلك وبرزت من خلال تلك العديد من المسرحيات، مما جذب الانتباه لتمثيلها وغنائها. وفي وقت لاحق أصبحت سعادو اسماً مألوفا ليس لتمثيلها وغنائها فحسب، وإنما أيضا لنشاطها السياسي. ففي حقبة الرئيس سياد بري تعرض العديد من الفنانين إما للسجن أو النفي نتيجةً لمواقفهم المُناهضة للحكومة الشيوعية الميول في ذلك الوقت. كانت سعادو وقتها شابة ومشهورة، فشاركت في واحدة من المسرحيات وأدت واحداً من أعظم أدوارها، والتي عملت من خلاله على التعبير عن تطلعات شعبها. خاضت سعادو أول تجربة لها في مواجهة القانون عندما انخرطت في حركة شعرية عُرِفت باسم دي لي وهي اختصار لأسماء مجموعة من الفنانين الذين وقفوا ضد النظام. وفى اثناء نشاطها في تلك الحركة المعارضة، خلُصت سعادو إلى كتابة قصيدتين أوشكتا أن تؤديان إلى الحُكم عليها بالإعدام، ولكن تمَّ تخفيف الحُكم في النهاية لتمضي ستة أشهر بالسجن.

وفي أواخر عقد الثمانينيات، أصدرت سعادو أغنيتها جادو لاندكروزر والتي تعني قم بشراء اللاندكروزر، حيث أصبحت تلك الاغنية من الأغاني التي تُحرِّض الصوماليين ضد نظام الرئيس الراحل سياد بري. وقد ظلت كلمات هذه الأغنية الخالدة، في الذاكرة الجماعية للأمة، والتي تقول بعض أبياتها (أحصل على سيارة اللاندكروزر، وتسوَّل لتحصل على الذرة، مُستعرضاً نفسك كشخصٍ رفيع المستوى في القرن الأفريقي). كانت كلمات هذه الأغنية تُشيرُ إلى أنّ البلاد كانت تتسوَّل للحصول على الذرة، بينما كان أعضاء الحكومة يعيشون في ترفٍ ويتجولون بسيارات اللاندكروزر. وعندما أُلقيَّ القبض على سعادو بسبب هذه الأغنية، وأثناء التحقيق معها، طلبت من ضابطٍ في مخفر الشرطة أن يحضر لها كوب من الماء، فأجابها الضابط أنه لا يوجد لديهم ماء، ثم رجَته سعادو كي يدير مُكيِّف الهواء في غرفة التحقيق، وأجاب الضابط مرة أخرى أنه ليس هناك كهرباء، نظرت سعادو إلى الضابط وقالت: لا اعرف لماذا اعتقلتموني، فأغنيتي ليست سوى إفادة لفساد الحكومة وسوء استغلالها لأموال دافعي الضرائب، بينما الشعب يعاني الفاقة نتاج عدم توفر احتياجاته الأساسية.

إمرأة  لا تعرف الخوف

غادرت سعادو وطنها فى بدايات التسعينات وعاشت فى الولايات المتحدة الامريكية  ابان الحرب الشرسة التى عمت ربوع بلادها. ثم عادت مرة اخرى الي الصومال فى عام 2012 كممثلة لمنطقتها بونت لاند الساحلية فى شمال الصومال فى البرلمان الفيدرالى. تركزت جهود سعادو خلال اعمالها فى البرلمان على وحدة الصومال كما ظلت اغانيها دوما تنادى بالسلم واهمية توحيد الهوية الوطنية للصوماليين. وقد كان صوت سعادو عالياً  فى نقد الانفصاليين من مواطنيها وقامت بترجمة  ذلك الي اغانى تغنى بها الشعب الصومالي مثل اغنيتها عن مدينة لاس لوند و التى حارب الصوماليين منها  الاستعمار وناضلوا من اجل وحدة بلادهم، ولاس لوند ايضا هى المنطقة التى خاض فيها اهالى ارض الصومال معركتهم ضد الدولة الام نحو انفصال دولتهم .كما تغنت لاحقاً بأغنيتها اللطيفة حول عدم قدرة الصوماليين علي الاتفاق.” دعونا نتصالح، كلا لن نتصالح، حسناً اسمح لي أن أتصالح معك، كلا لن تتصالح معي، حسنا فالنتصالح من أجلي، كلا لن أتصالح من أجلك”.

وقد تلقت سعادو العديد من الانتقادات فى عام 2009 عندما دعمت قضية التعويض التي رفعها رئيس الوزراء الصومالي السابق محمد علي سمتر واتُهمت بانها متواطئة مع نظام سياد بري المنهار. ورغم الانتقادات التى تلقتها استمرت سعادو فى رفع صوتها عاليا ضد الفساد فى الدولة الصومالية وضد عدم كفاءة النواب في البرلمان وضعف التزامهم نحو قضايا ناخبيهم. وفي ايامها الاخيرة تلقت سعادو عدة تهديدات بالموت الا ان ذلك لم يثني جهودها في فضح الفساد حيث ظلت تناقش وبصوت عال فساد بعض السياسيين النافذين واهمية ادراج المحاسبية والعدالة ضمن الدولة الصومالية لتحقيق الاستقرار والسلام. ستظل ذكري سعادو حية فى اذهان مواطنيها ممن لاصوت لهم وذلك لشجاعتها وقدراتها الفريدة علي مواجهة الفساد. كما سيظل غنائها محفوراً فى وجدان الصوماليين لسنوات قادمة رغم كل التناقضات التى احاطت بسيرة حياتها.


ترجمه من الانجليزية: شمس الدين عثمان