عندما يجد العنف ضد المرأة مشروعيته في “الخصوصية الثقافية”

فريدة شهيد

لوحة: صلاح ابراهيم، السودان

يحدث العنف ضد النساء لأن الثقافة السائدة تبرر له وتغض الطرف عنه. فريدة شهيد في هذة الورقة تنظر إلى القوانين وتفسيرات الدين والثقافة التى تكرس لإقصاء النساء في العالم الإسلامي. وتدعو النساء والرجال إلى الإجتهاد وإستعادة علاقات وتأثير النساء على الدين والثقافة كشريكات متساويات في الإنسانية والحقوق والواجبات في مجتمعاتهن.

هناك ثمة تصور مغلوط يشيع أن الثقافة المبررة للعنف تجد مشروعيتها في المجتمعات التقليدية، وتنتمي حصرياً لبعض الأديان والثقافات. أنا أرفض هذا التصور حين يتعلق بالعنف ضد المرأة. لأنه وبغض النظر عن أين وكيف يحدث، أو ما هي طبيعة تجلياته، فإحالته إلى الخصوصية الثقافية هو مجرد مخاتلة منطقية، لأنه أولاً لا يوجد مجتمع بدون ثقافة، ثانياً فإن الثقافة المهيمنة في كل العالم هي الثقافة الذكورية، التي تثمن قوة العضلات وتبرر وترغب في العنف، بينما في ذات الوقت، تعمل على إحتقار المرأة وكل ما له صلة بالأنوثة إن كان على مستوى التنشئة أو العلاقات. عليه فإن كان العنف ضد بعض الأفراد المهمشين يجد مشروعيته من قبل الثقافة المهيمنة، إذن من الطبيعي أن تصبح الأفعال مقبولة. أكثر من ذلك، فإن 1 المشروعية الثقافية للعنف ضد المرأة، مضمرة كانت أم معلنة والتي حصرت بهتاناً في المجتمعات التقليدية نجدها ممارسة عملياً في الخطاب السياسي المعاصر ومتمظهرة في القوانين الرسمية للدولة. إن أي محاولة جادة لايقاف العنف ضد المرأة يجب أن تبدأ من ثقافة العنف نفسها وإحلالها بثقافة يسودها السلام ينعم فيها الجميع بالعدالة وتوفر لها مساحة إجتماعية تعمل على معالجة الإختلافات بعيداًعن العنف 2.

المرتكزات الثقافية للقانون

من المهم جداً أن نفهم بأن القانون ليس بمعزل عن التحيزات الثقافية، فالثقافة تترجم إلى قانون في شكل محظورات أو إرشادات، أو عقوبات. والثقافة تعمل كشاهد على صمت القانون في بعض الأحيان، كدليل واضح للتفرقة بين ما يعتبره القانون جريمة وبين ما يسعى لغض النظر عنه صمتاً. ففي حالة العنف الجندري نجد أن الثقافة الداعمة للقانون منتشرة في العديد من أقطار العالم. وتتمظهر في غياب التشريعات التي تجرمه كما في الإغتصاب الذي يجد له موقعاً في العلاقات الزوجية على سبيل المثال. بل أن بعضها يؤسس ويسوغ للجماع بالإكراه. كما أن بعض النصوص القانونية تهون من فعل الجريمة، كما هوالحال في جرائم القتل المعروفة بجرائم الشرف.

من المهم جداً أن نفهم بأن القانون ليس بمعزل عن التحيزات الثقافية، فالثقافة تترجم إلى قانون في شكل محظورات أو إرشادات، أو عقوبات. والثقافة تعمل كشاهد على صمت القانون في بعض الأحيان، كدليل واضح للتفرقة بين ما يعتبره القانون جريمة وبين ما يسعى لغض النظر عنه صمتاً. ففي حالة العنف الجندري نجد أن الثقافة الداعمة للقانون منتشرة في العديد من أقطار العالم.

يجب الإشارة الى أن ما يعرف في وقتنا الراهن بجرائم الشرف في الكثير من البلدان وعلى وجه الخصوص في جنوب آسيا، قد أنتجتها قوانين الإستعمار الإنجليزي وضمنتها نصياً في قوانين بلدان جنوب أسيا تحت مسمى )إستفزاز خطير ومفاجيء(. والفقرة القانونية في هذا الصدد تحض على معاملة الرجال بتساهل متى ما ثبت أنهم تعرضوا إلى إستفزاز خطير وحاد مما يعني لاحقاً أن رد الفعل المفضي إلى الجريمة يجب أن يُوجد له العذر ويستوجب تخفيض العقوبة الجنائية المقررة.

قوانين ذكورية على مقاس “عدالة” ذكورية

إذا كانت التشريعات القانونية هي تشريعات بطرياركية، فذلك مرده إلى أنه تاريخياً كان التشريع حق محصور على الرجال. وكما في قول للباحث توف إستانق داهيل 3 “يمكن القول أن خبرات الرجال وتجاربهم وآرائهم ومصالحهم وإهتماماتهم، عبر التاريخ، هي التي تحولت إلى قوانين”. وإن كان من شيء يمكن أن يضاف إلى هذا التعليق فهو أن فئة الرجال الذين أتيح لتجاربهم أن تكتب كقوانين، هم الرجال الذين ينتمون إلى الطبقة المهيمنة. ومع ذلك يصح القول أن القوانين لا تطبق نفسها بنفسها. فالثقافة تمارس فعلها في تطبيق وترجمة القوانين من وراء الصياغات الرسمية. فالقانون يدار بواسطة أناس غالبيتهم العظمى رجال لهم معتقدات ثقافية محددة، ومفاهيم وجودية معينة يجلبوها معهم إلى عملهم إن كان بوعي قصدي أو بداهة. فالنصوص القانونية المتحيزة ضد المرأة تُعضد عادة بالإعتقادات الثقافية للقضاة، إضافة لبعض الإعتبارات الرسمية لقوى القانون والجهاز العدلي ككل.

ففي باكستان على سبيل المثال نجد أن المحاكم تغض النظر فعلياً عن الرجال الذين يرتكبون جرائم بحق النساء اللاتي يمتٌْ لهم بصلة قربى، بحجة إشتباههم في أن الواحدة منهن قد أقامت علاقة محرمة خارج إطار الزوجية بإستخدامهم الفقرة القانونية الإستفزاز الخطير والمفاجيء 4. الشاهد أن قضاة محكمة الإستئناف في باكستان يتواطئون مع الأعراف، كما يتبين من هذا الحكم القضائي … “أن الرجال في القرى والكثير من المناطق الحضرية بباكستان، لهم الحق في التحكم في سلوك وحركة نساء عائلاتهم، ويجب الإعتراف لهم بهذا الحق وتمتينه … فلا يحق لفتاة قاصر أن تخرج ليلاً لتستمتع بحياتها …”. وفي قضية أخرى مماثلة، نجد أن تعليق قاضي الإستئناف كان كالآتي “إن المستأنف له طفلان من زوجته القتيلة. ومن المؤكد أنه لم يجرؤ على قتلها بالطعن عدة مرات ما لم تعمل على إستفزازه إلى هذه الدرجة”.

كما هو واضح فإن كلا التصريحين يعبران عن دور المعتقد الثقافي للقاضي في إصدار قراره، ففي القضية الأولى نجد أن القانون لا يعطي الرجل الحق في التحكم في نساء عائلته، وعبارة “يجب الإعتراف لهم بهذا الحق وتمتينه” إقرار لحق عرفي خارج إختصاص القانون. أما رأي القاضي في القضية الثانية فهو في أحسن الأحوال يستند على إعتقاد ساذج مفاده أنه ما لم يصدر عن المرأة سلوك بالغ الإستفزاز فمن المستبعد أن يقوم الرجل بقتل أم أطفاله. وفي الأحكام الصادرة عن القضيتين نجد أن المعتقد الثقافي قام بقمع القانون لصالح ما هو سائد من عرف وتقاليد.

الثقافة والدين

من المعلوم أن الثقافة ليست هي المعادل الموضوعي للدين، على الرغم من أن الدين كعادات وممارسات يعمل على التأثير في الثقافة. من هنا سأفترض أن الإعتبارات البطرياركية هي الأرضية التي تقوم عليها ترجمة الدين. ليس مصادفة إذن أن كل الترجمات الدينية في العالم تعمل على ضمان إحتكار مصالح الرجال. ففي حالة الدين الإسلامي، بلغ الإحتكار تخوم الممارسة اليومية والقانون أيضاً، مما يعني لزاماً تسفيه وتعديل ووضع العراقيل لكل ما يمت بصلة لحقوق المرأة في العقيدة. هذا يعني عملياً، أنه متى ما حدث تعارض بين المحاذير البطرياركية كما هي مجسدة في العادات والتقاليد، وبين المبادئ الدينية، نجد أن التقاليد هي المنتصرة في خاتمة المطاف.

في عام 1997 ، ألغت باكستان فقرة الإستفزاز المفاجئ والخطير من القانون، بحجة أنها غير إسلامية، ولكن مع ذلك نجد أن القضاة دائماً يستندون في أحكامهم على هذه المادة الملغية، مع علمهم بأنها غير إسلامية. التجارب دلت، أنه متى ما تباينت الآراء بين قانون الدولة وبين العادات والتقاليد السائدة والمبادئ الدينية فيما يخص شأن المرأة، فعملياً الأكثر عداءً للمرأة يجد حظه من التطبيق. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما تقتل إمرأة في باكستان لمجرد أنها أختارت من ستتزوجه، مع العلم أن القانون الوضعي والمبادئ الإسلامية تمنح المرأة الراشدة هذا الحق دون لبس. لا يشكل الدين حرفياً العامل الأساسي في الإضطهاد الذي تعانيه المرأة في المجتمعات الإسلامية. العناصر الجوهرية لهذا الإضطهاد تكمن في النزعة البطرياركية التي تسود في كل مكان، حيث الإضطهاد يسود في الأسرة وعلاقات القربى ومؤسسات الدولة مراكز صنع القرار الدولية. إنه إفصاح عن النمط البطرياركي السائد، والذي بات بمثابة خصوصية ثقافية.

ثقافة من؟ ومن الذي يمتلك الحق في تمثيل الجماعة؟

الثقافة ليست فعل منجز يجلس بإرتياح في أضابير الزمن لا يعتريه التغيير. بل الحقيقية أنها في حالة مستمرة من التغير والإرتقاء. أو كما في قول بليغ للباحثة ننادي آشلي” 5إن أعظم التقاليد هي تلك التي تعمل على تجديد التقاليد”. إن الثقافة في حالة من التغير المستمر نتيجة للصراعات ‹‹‹ الإجتماعية والمتغيرات الظرفية، والتي تؤدئ في نهاية المطاف إلى إعادة تعريف كل ما بات في حكم المألوف. ليس بالضرورة أن تكون كل المتغيرات التي تصيب ثقافة المجتمع إيجابية، فربما ينشأ عن هكذا تغيير إزياد في العنف غير مطلوب. كما أن هناك تغيراً يصاحبه إزياد ملحوظ في العنف ضد المرأة، يجد قبولاً وإعترافاً عن ذي قبل، كما هو الحال في النزاعات المسلحة.

نحن اليوم في باكستان وجنوب آسيا 6 مواجهون بتحدي مزدوج؛ مواجهة البطرياركية المؤسسة على العادات والتقاليد المستمدة من الثقافة المحلية، وتلكم التي تتلفح عباءة الدين وكافة أشكال الهويات السياسية. ففي باكستان نجد أن البطرياركية الأخيرة ظهرت مع دكتاتورية الجنرال ضياء الحق في سبعينات القرن الماضي، بما فيها كافة أشكال العنف ضد المواطن بإسم الشريعة الإسلامية ممثلة في العقوبات الهمجية والمسماة بإسلامية.

المجتمعات لا تعرف الثقافة الأحادية. فكل مجتمع يحتوي على ثقافة مهيمنة ومجموعة ثقافات ثانوية. فالثقافة المهيمنة تعكس وجهة نظر ومصالح طبقة معينة توفرت لها السلطة في وقت ما. في ذات الوقت نجد أن الأقليات التي لا تقبل بمثل هذه الهيمنة الثقافية ولا تنصاع لمنظومة قيمها أو عاداتها غالباً ما تكون جماعات إثنية أو دينية أو حتى أفراد يعيشون على هامش المجتمع، مثل المشردين، والذين بمرور الزمن يطورون ثقافتهم الخاصة بهم أيضاً. نجد أن الثقافات الثانوية تحتوي على مجموعات تمارس تمرداً واعياً ضد الثقافة المهيمنة، وتفصح في ذات الوقت، ليس فقط عن التباينات الإجتماعية السائدة، بل تعمل أيضاً على تبني مقاومة إستباقية للسائد والمألوف في الثقافة المهيمنة.

نادراً ما يمثل النساء الثقافة المهيمنة، لأنهن لا يحتكمن على القوة السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تخولهن لذلك. بالطبع ليس كل النساء فئة واحدة متجانسة، بل منهن من ينتمين إلى طبقة تدين لها السلطة، ومنهن من لا ينطبق عليهن ذلك. ومع ذلك فبينما كل الرجال يتمتعون بدرجات مختلفة بالإمتيازات التي توفرها لهم البنية البطرياركية للمجتمع، نجد أن كل النساء تقريباً يعانين بدرجات مختلفة من ثقل وإكراهات ذات الثقافة.

عندما تتنافس أكثر من ثقافة داخل مجتمع ما، على أيهما الأعلى صوتاً، هنا يتمحور الصراع حول طلب المشروعية للصوت المعبر عن الشعب. في هذا الصدد فأي إتجاه من قبل الدولة لكي تكون معبرة عن صوت الثقافة المهيمنة، يقابل من قبل الأقلية بالتساؤل والتشكك فيما أذا كانت فعلاً الدولة هي المعبر عن كل المجتمع أم فئة معينة؟ نجد هذا واضحاً، على سبيل المثال في المملكة المتحدة فهناك بعض الذين ينصبون أنفسهم كقادة لمجتمعات الأقلية يطالبون بأن يكونوا هم الصوت المعبر لكل المسلمين، السيخ والبوذيين….الخ. المفارقة هي أنه ليس هناك من هؤلاء القادة من تم إنتخابه من قبل الجماعة التي يطالب بتمثيلها. جنوب آسيا مثال آخر، حيث نجد القوة السلفية تعمل على تنصيب نفسها كصوت أصيل أوحد للأمة تجتهد للإستيلاء على السلطة لكي تحدد ما هي الأعراف الثقافية التي يجب أن تُتبع. ولكي يتحقق لها ذلك، فهي تعمل على إعادة كتابة التاريخ والمراجع الدينية وما تراه مصادر أصيلة من وجهه نظرها بالطبع. ومبتغى كل ذلك، هو إحراز تقدم مؤثر على مستوى أجندتها السياسية والإجتماعية.

يحدث كل هذا في ظل غياب البدائل المنظمة من داخل هذه المجتمعات. فالأصوات التقدمية تمتنع أن يحتوي خطابها على أي أسس دينية أو أخلاقية، مفضلة تعريف نفسها مفاهيمياً من منظور أيديولوجي أو طبقي. بالتأكيد إنها مسئولية الدولة في أن يكون صوتها هو خلاصة تعددية الأصوات، ولكي يتحقق ذلك فلا بد أن تكون المواطنة هي المعيار. وهذا يتضمن توفير الفرص المتساوية للأصوات المتعددة في أن تعبر عن أرائها. وهذا يعني فيما يعني، تفعيل خاصية الإستماع لأصوات وآراء الثقافات الثانوية، والعمل على تأكيد تمثيل المرأة. ولا يجب تحت أي ظرف من الظروف، أن تتم تعلية الحقوق الجمعية أو المصالح الخاصة لجماعة ما على حساب الحقوق الأساسية أو الكرامة الآدمية لأفراد المجتمع.

“يمكن القول أن خبرات الرجال وتجاربهم وآرائهم ومصالحهم وإهتماماتهم، عبر التاريخ، هي التي تحولت إلى قوانين”. وإن كان من شيء يمكن أن يضاف إلى هذا التعليق فهو أن فئة الرجال الذين أتيح لتجاربهم أن تكتب كقوانين، هم الرجال الذين ينتمون إلى الطبقة المهيمنة.

هل حقوق المرأة حصراً على الغرب؟

سؤال عادة ما يطرح في كل نقاش يتعلق بالإسلام والمرأة، فيما إذا كانت حقوق المرأة وحريتها هي حصراً على المجتمعات الغربية. في البدء يجب التوضيح أنه لا الإضطهاد المصاحب للمرأة خاصية شرقية، ولا مقاومة هذا الإضطهاد خاصية غربية برزت في القرنين الثامن والتاسع عشر. لقد قاومت المرأة الإضطهاد الممارس ضدها عبر العصور. مع ذلك فكرة أن تحرر المرأة هي إختراع غربي، ما زالت تجد رواجاً في معظم بلدان العالم الثالث، ولا سيما النساء في المجتمعات الإسلامية واللاتي على وجه التحديد يبدو أنهن قد إشترين هذه الخرافة. ولكي أدحض فرية أن حقوق المرأة لا وجود لها في المجتمعات الإسلامية، 7 تطلب مني الأمر أن أتتبع تاريخ كفاح النساء من أندونيسيا في جنوب شرق آسيا حتى نيجريا في أفريقيا، ومن العالم العربي في آسيا الوسطى حتى جنوب آسيا والصين، وذلك من القرن الثامن الميلادي وحتى خمسينات القرن الماضي. وكانت الإجابة أن حقوق المرأة لم تكن في يوم من الأيام حصرية على الغرب. الشاهد أن النساء حاربْنَ من أجل حقوقهن بلا هوادة في كل عصر وكل مجتمع. على الرغم من تباين الأطر المفاهيمية والإستراتيجية المتبناه عبر المسافات والأزمنة.

الإستخدام السياسي للدين وتأثيراته على الثقافة

في ختام هذه الورقة يجب التشديد على أن جماعات الإسلام السياسي والمجموعات المتطرفة التي تقدم أجندتها السياسية والإجتماعية بمصطلحات دينية وينصبون أنفسهم كممثل أوحد للإسلام ليسوا حركات إسلامية بأي حال من الأحوال بل إنها مجموعات سياسية تسعى للحصول على السلطة على المستوى المجتمعي والقومي والدولي. وإستراتيجيتها الرئيسية في هذا الصدد هي إحتكار الخطاب الديني والعمل على فرضه كإطار شرعي أوحد بديل لكل الخطابات السياسية والإجتماعية. وهو في ذلك يماثل الخطابات الإثنوقومية التي تعمل بشكل مزدوج على إقصاء الخطابين المعارض والتعددي. في كلا الحالتين 8 فإن الإسلامويون يعملون على التحكم في العامة بإسكات الأصوات المعارضة بما فيها الأصوات الدينية الأخرى. وأساليبهم في دفع الناس إلى الصمت تكمن في قدرتهم على إبتزاز العامة وإيهامها بأن ‹‹‹ الأصوات المعارضة لهم هي أصوات معارضة للدين والعقيدة. وأيضاً اللجوء إلى العنف لسحق هذه الأصوات حتى ولو كانت من داخل معاقلها.

كما شاهدنا في جنوب آسيا، أستطيع أن أجزم وبشكل قاطع على أن إستخدام الدين في الأجندة السياسية ليس قصراً على المسلمين وحدهم. إنني أراه كتحدي عالمي واسع يقوم على إستخدام الهوية في الصراع السياسي بديلاً للأجندة السياسية. فعلى عكس الأجندة الأيديولوجية التي دائماً ما تسعى إلى إحداث تغيير بنيوي عميق في النظام السياسي، نجد أن السياسات التي تشتغل على صراعات الهوية، تعمل على بذل الوعود لترقية جماعة بعينها قد تتلفح الهوية الدينية، الإثنية أو اللغوية. بشرط أن تتوقف هذه الجماعة عن تمثيل نفسها، وإن تعيرهم صوتها، وأن تتجرد من كل الرموز الثقافية التي تشكل هويتها، وأن ترتهن إلى المخاوف التي يصدّرونها إليها بأن مصالحها في خطر لأنها مهددة من قبل جماعات أخرى لا تشاركها نفس الهوية.

لقد قاومت المرأة الإضطهاد الممارس ضدها عبر العصور. مع ذلك فكرة أن تحرر المرأة هي إختراع غربي، ما زالت تجد رواجاً في معظم بلدان العالم الثالث، ولا سيما النساء في المجتمعات الإسلامية واللاتي على وجه التحديد يبدو أنهن قد إشترين هذه الخرافة.

الخلاصة

أذا كنا فعلاً جادين في القضاء على العنف ضد المرأة، يجب أن نبدأ في إستبدال ثقافة العنف بثقافة السلام، بدءاً من النشأة الإجتماعية الأولى والتي يتم فيها تبني فرضية التعريف الثقافي للجندر، والمقبول وغير المقبول إجتماعياً وسلوكياً، وماذا يعني كل ذلك وما هي المعايير العقلانية المتبعة في هذا الصدد؟.

على الرغم أنه من الضروري فرض القانون للحد من العنف ضد المرأة، لكن يجب أن نعلم أن ذلك وحده لا يكفي. تطبيق القوانين يجب أن يكون مصحوباً بإجراءات تعمل على إستهجان ثقافة العنف المتفشية في الأخبار، الإعلام الترفيهي والنصوص المدرسية. فالحصانة التي تتمتع بها أفعال العنف ضد النساء تجد مبررها بشكل كبير في التوقعات الثقافية للمجتمع، وفي تصورات ممثلي المجتمع من رجال دولة لهذه الثقافة. لذلك فإن أي محاولة للقضاء على هذه الحصانة، يجب أن تتطلب من كل مؤسسات الدولة، خصوصاً تلك التي لها صلة بالأنظمة العدلية، أن تتمتع بحساسية خاصة تتيح لها أن تحمل على عاتقها حماية حقوق النساء وكل المواطنين من غوائل العنف. في بعض الأقطار تعيش الأنظمة العدلية حالة من الخلاف غير المعلن مع مجموعة قوانين قد تكون تقليدية أو مستحدثة، في هذا الحالة وجب على الدولة أن تعمل على التأكد من أن هذه القوانين لا تتغول أو تقف عائقاً أمام تمتع النساء بحقوقهن القانونية والعيش بكرامة وإحترام. لأنه في النهاية أن هذه الحقوق منصوص عليها في الدساتير، وحمايتها تقع على عاتق الدولة.

بالطبع سيكون من السذاجة بمكان أن نتوقع من الدولة ممثلة في صناع القرار، والذين تتحرك مصالحهم وفق آليات السلطة السائدة والبنى الإقتصادية والسياسية الفاعلة، أن تقوم بخطوات حاسمة وفورية لإصلاح واقع النساء من تلقاء نفسها، ولكنها بالتأكيد سوف تعمل على بذل الجهد المتوخى منها حين يكون هناك ضغطاً كبيراً من قبل الفاعلين في القطاعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.9


1 منظمة اليونسكو طورت برنامجاً للثقافة والسلام مابين العام 1980 والعام 2000 لاحقاً طورت الأمم المتحدة برنامجاً للتعايش السلمى فى الفترة ما بين 2001 – 2010
2 ورقة قدمتها ديانا بريثرتون حول تعلم أساليب التعايش السلمى وإحترام حقوق الغير وحق الإختلاف فى مؤتمر النساء الآسيويات وثقافة السلام فى هانوى 2000 وقد تم نشر الورقة فى تقرير اليونسكو سبتمبر 2001 ، صفحات 76 – 80
3 وفيى ستانق داهل “المرأة والقانون – قيم وتحديات. نشر فى 1986 صفحة 362
4 حكم المحكمة العليا فى قضية محمد صالح ضد الدولة عام 1965 صفحة 370
5 عائشة نادى: العدو الصديق، فقدان وإيجاد الذات فى ظل الإستعمار، مطابع اكسفورد 1983
6 تحت سطوة الأسلمة :سلطة الحدود الرجم، الجلد وتقطيع الأطراف للمشاهدة العامة : 1979
7 فريدة وعائشة شديد عظمة الأسلاف .نساء فرضن حقوقهن فى ظلال الثقافة الإسلامية: حزمة تدربية، لاهور 2004
8 الاكسندرا الوند حول صربيا صفحات: 147 – 161
9 هذة الورقة طورت بناءاً على ورقة قدمتها الكاتبة فى مؤتمر مسؤلية الدولة تجاه حقوق النساء فى سويسرا مدينة بيرن فى العام 2005


ترجمه إلى العربية: عبدالخالق السر

فريدة شهيد عالمة إجتماع باكستانية وخبيرة ومقرر دولي خاص في مضمار  الحقوق الثقافية. وهي تعمل مديرة لبرنامج تمكين المرأة وتنمية القيادات في سبييل إشاعة الديموقراطية وهو برنامج دولي لتعزيز وترويج المواطنة  في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. كما تعمل أيضاً مديرة أبحاث في مركز موارد شريكات غاه في الباكستان.
وهي مساهمة ذات خبرة عميقة في أمر المفاوضات على المستويات الدولية والإقليمية. ولقد جاءت فريدة شهيد بمنظورها المتميز لتكامل الثقافة مع الحقوق إلى عملها كمستشارة مستقلة لوكالات دولية وتنموية متعددة وكذلك لحكومة الباكستان منذ العام 1980 . فريدة شهيد كرست عملها لاكثر من 25 عاماً فى ترويج الحقوق الثقافية وحقوق الأقليات والمجموعات المضهده إثنياً وعقائدياً والنساء.