صفية الصديق
تفاقم الهوس بالعُذْريّة والأوهام حولها في العقود الأخيرة في السودان، وصارت النساء، استِجابة لضغوط الواقع الاجتماعي والسياسي بشروطه المجحفة، يسلكن كل الطُرق الممكنة من أجل تثبيت أوهام العُذْريّة في علاقتهنّ الخاصّة مع الرجال. تستمر معاناة النساء منذ الطفولة وحتى بعد أن يصرنَ أمّهات، نتاج هيمنة تصوّرات المجتمع الأبوي المختلّة، والتي تدفعهنّ لقبول مُمارسات ضارة وخطرة، مثل عملية إعادة الختان، والتي تؤثر بدورها في صحتهن الجسدية والنفسية. حول هذا الموضوع، تحدثت الصحفيّة السودانية (صفية الصديق) إلى عدد من النساء ممن خضنَ تجربة إعادة الختان “العَدَل”، كما أجرت العديد من المقابلات مع الأَخصائيين الاجتماعيين، والأطباء ورجال الدين، حول مشروعيّة وجدوىَ وتبعات هذه الظاهرة.
تتعرض أكثر من 15 فتاة كل ثانية في مناطق مختلفة من العالم لعملية الختان، وذلك بحسب تقارير الأمم المتحدة. في السودان، وبحسب تقارير صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، تصل نسبة الفتيات المختونات، ما بين عمر الولادة وحتى عمر الرابعة عشر، إلى ما يقارب الـ 40% من نسبة الفتيات في السودان، وذلك وفقا لشهادات الأمّهات. وتتعرض نسب عالية من النساء، غير مرصودة، إلى ما يُسمّى في اللغة العاميّة بـ “العَدَل”، أو إعادة الخِتان، خاصةً بعد ولادة المرأة للطفل الأول. وقد ذكرت بعض السيدات، أنّهُنّ قُمْنَ بإجراء “العدل”، لأكثر من ثماني مرات. كذلك، تقوم العديد من النساء بإجراء عملية العَدَل قبل الزواج بدافع الخوف من تهمة فقدان العذريّة!
أتت إحدى النساء، وكانت في حالة مخاض ونزيف حاد، لإحدى مستشفيات الولادة الخاصة بمدينة الحصاحيصا في إقليم الجزيرة جنوبي الخرطوم، وعلى الفور أدخلوها غرفة الولادة لخطورة حالتها، وبعد أكثر من ست ساعات، خرجت الطبيبة لتبشِّر ذويها بأن ابنتهم ومولودها بخير، إلاّ إنّ الأُم في حاجة ماسة لنقل دم. فرح الجميع وانطلقت الزغاريد، وانشغل إخوتها في تجهيز الدم لإنقاذ حياة أختهم، وبعد فترة قليلة، أتى زوجها بكامل هِندامه، يحمِل شيئاً مُغلّفاً بورق هدايا، وقبل أن يتلقى التهاني بقدوم مولودته، نادىَ على والدة زوجته، وأعطاها هديّة تُقدّم في مِثلُ هذه المناسبات، وظل يتحدث معها طويلاً، بينما بدت عليها علامة الانفعال الشديد. بعد ذهابه، سألها الجميع عن سر انفعالها، ليتضح أن زوج ابنتها طلب منها أن تخطر القابلات بأنه يرغب في إعادة ختان زوجته بعد الولادة (أي أن ترجع كما كانت قبل الولادة)، وأنّ ما كان يحمله في يده، كان عبارة عن طقم ذهب يقدم للزوجة كهديّة مُقابل قيامها بعملية العَدَل. قالت لي الأم: “والله يا بتي اداني 1000جنيه بُشارة العَدَل ـ والبُشارة هي مال يُعطى لعمل شيء مُفرح ـ وقال لي: “إنت مش دايرة بتك تعيش سعيدة”؟ وهي “بِكْريّة” (التي تنجب لأول مرة)، وعندها نزيف خايفاها تموت”. لم يستمر “خوف” الأم طويلاً، لأنه بعد فترة قصيرة، انطلقت الزغاريد مرة أخرى، وهذه المرة ليس لمولود قادم، وإنما لأمٍ وافقت أن تُخْتَن ابنتها للمرةٍ الثانية، بعد أن أغدَقَ عليها الزوج، المال والهدايا.
هناك، أيضا، تبعات اجتماعية وثقافية لعدم العُذْرِيّة، تُلقِي بعبئِها على النساءَ ممن لم يتزوجنّ، مثل وصمة العار التي عادة ما تلازم المرأة وذويها طيلة حياتهم، وكذلك انهيار أي زواج تحوم فيه الشكوك حول عُذْرِيّة الزوجة، وغيرها من الأحكام الاجتماعية الجائرة. إضافة إلى ذلك، فإن القانون السوداني، يُجَرِّم بالمطلق النساء والرجال، ممن يثبت عليهم مُمارسة أيّ نشاط جنسي(زنا)، خارج سياق الزواج. ووفق القانون الجنائي، يُعاقب الجُناة بعقوبات تتراوح، ما بين الجلد لغير المحصنين “المتزوجين”، والرجم حتى الموت للمتزوجين. تعتبر النساء أكثر عرضةً لهذه العقوبات، وذلك لاستخدام الحمل كقرينة إدانة في إثبات جريمة الزنا. كما أنّ مسألة الكشف عن العُذْرِيّة، تعتبر من الممارسات التي تطال الفتيات بشكل منتظم من قبل أجهزة البوليس في حالة اعْتِقالِهنّ، بغض النظر عن ظروف وملابسات الاعتقال.
يُشكِّل الهوس بِمسألة العُذْرِيّة في السودان، أحد العوامل الأساسيّة في رواج ظاهرة العدل، حيثُ أن قيمة النساء الإنسانية قبل الزواج تتمحوّر حول عُذْرِيتَهُنّ.
فقد ذكرت العديد من النساء الشابّات، من غير المتزوِّجات ممن تَعرّضنّ للاعتقال، أنهُنّ في أوقات كثيرة تعرّضن لما يسمّى بكشف العُذْرِّية. هذا التوضيح شديد الأهميّة، لأنّه يوضّح مقدار الهوس الاجتماعي والسياسي، فيما يخص موضوع، عذرية وجنسانية النساء في سودان اليوم، ومن ثم، تجريمهنّ وفقا لفرضيّات وتصورات العذريّة المتداولة، باعتبارها قيمة تُحدّد وضعيّة المرأة الاجتماعيّة.
تقوم العديد من الفتيات بإجراء عمليّات التضييق أو إعادة الخِتان قبل الزواج، وذلك في المقام الأول، بسب الخوف من التجريم الاجتماعي والجنائي، وحتى يتمكّنّ مِن مُمارسة حياتهنّ بشكل آمِنٌ.
وقد تصل تكلفة تلك العمليات في بعض الأحيان، إلى ما يزيد عن الثمانية إلى العشرة الاف جنية سوداني، أو حوالي (1000-800$).
وقد تحدثت معي (ز) وقالت إنها أجّلت زواجها لعدّة سنوات إلى أن تَجد مكاناً آمناً وطبيباً يوافق على إجراء هذه العملية. أمّا (د) فلها رأي ناقد لمثل هذه العمليات، حيث قالت: “إنّ عمليّات إعادة الخِتان لم تعدّ مأمونة، وغالباً ما تكون في أماكن غير مهيّأة بما يكفي. وتضيف: “قبل زواجي بفترة قليلة، وجدت مكاناً يقوم ببيع غشاء بكّارة بلاستِيكي، صيني الصنع، يتم تركيبه في المهبل، ويظهر كأنه غشاء طبيعي!”.
دكتور عبد الهادي إبراهيم، أخصائي أمراض النساء، تحدث حول هذه الإشكاليّة وقال: “عادةً ما تقوم الفتيات اللاتي ينخرطن في علاقات جنسية قبل الزواج أو المنفصلات، بعمليات رتق أو إعادة الختان، حتى يتمكّن من مُمارسة حياتهنّ بشكل طبيعي. لذلك يذهبن للقابلات أو الأطباء لتضييق فتحة المهبل، ولكن كثيراً ما تتعثر إقامة العلاقة الجنسية بعد تلك العملية، لذا تذهب المرأة إلى القابلة أو الطبيب، لإجراء عمليّة أُخرى تسمّى “تسهيم”، أي (توسيع فتحة المهبل مرةً أخرى)، وذلك، حتى يتمكّن الزوج من المعاشرة الجنسيّة. وفي النهاية، يُرسِّخ هذا الإجراء تصوّرات وأوهام العُذْريّة لدى الزوج”.
ويرى دكتور عبد الهادي، أنّ عمليّات إعادة الخِتان في مجتمع شديد التعقيد مثل المجتمع السوداني، ضرورية وتُمكِّن الفتيات من الزواج والحياة بسلام
وإنجاب الأطفال، وإلاّ سوف لن يتزوجن. ويضيف بالقول: “إنّ عملية إعادة الخِتان، لا علاقة لها بالمتعة الجنسيّة، وإن هوس العذرية موجود فقط في رأس الرجل وفي تصوّرات المجتمع، ومن ثمّ، أصبحت تمارس ضغوطاً مهولة على الفتيات، ليُحافظنَ على عذريّتهنَ، والأدهى، أنّ عليهنّ إرجاعها في حالة فُقدانها”.
تقول (س): “تعودتُ على عملية إعادة الخِتان. فزوجي مُغترب، ولديّ ستة أبناء، وبعد كل ولادة أقوم بعملية الخِتان. أيضاً، في إجازات زوجي أقوم بإجراء هذه العمليّة، حتّى وإن لم أكن في حالة وضوع، لأنه يحب ذلك… “وبصراحة ما دايراهو يعرّس فِيني”. أمّا (ف)، فهي شابة لم تكمل الثلاثين من عمرها، وأم لطفلتين، تقول: “أُجرِيتْ لي هذه العمليّة بعد الولادة الأولى، وكانت بدون علمي. بعد أسبوع من الولادة، بَدأتُ أتألم كثيراً، وعندما ذهبتُ للمستشفى، اتضح أنّ (القابلة) قامت بتعديل الخِتان دون استئذاني، وللأسف، لم أكن واعية بما يكفي لأتجادل معها، وظننت أنّ هذا شيء طبيعي، رغم أنه كان مُؤلما جداً، وتسبب لي في مشاكل طبيّة وصحيّة كثيرة”.
حول الإشكالات الصِحّية وتبعات عملية إعادة الخِتان، تحدّثْتُ مع اختصاصي النساء والتوليد، بروفسير/الحسن محمد الحسن، حيثُ قال: “إنّ العَدَل أو إعادة الختان، عادةً ما يتم للمرأة المختونة في الأساس، لأنّ المهبل يتمدد بعد الولادة، حتى يخرج رأس الجنين. والطبيعي أنّ فتحة الفرج تكون ضيّقة، ولكي يتمكن الطبيب أو القابلة من إخراج الجنين، لابُدّ من فض الختان الذي هو بالأساس تشويه للعضو التناسُلي، ولا يوجد به أي شيء جمالي. بعد فض الخِتان، لا يجوز قانونياً وبموجب قانون المهن الصحية، إعادة إرجاعه من قبل الطبيب أو القابلة، وإذا حدث ذلك من قبلهم، فإنهم بهذا يُعرِّضونَ أنفسهم للمساءلة القانونيّة والعقوبة الجنائيّة. على صعيد آخر، هنالك ما يُسمى بـ ” الوربة”، وهيّ عمليّة رتق علمية، ومتعارف عليها، لتسهيل الولادة. أمّا العَدَل أو إعادة الختان، فهو ممارسة في الغالب، تطالب بها الزوجة أو الزوج أو والدة الزوج، وأحياناً تكون بعد الولادة مباشرةً. على الرغُم من أنها مُمارسة بها تحقير للمرأة وتشويه وألم قاتل لحظة المعاشرة، إلاّ أنّها مع ذلك وفي كثير من الأحيان، تتم برغبة من المرأة لإرضاء الرجل”.
ويمضي الدكتور الحسن ويقول: “إنّ الأخطر من ذلك، هو أنّ النساء في بعض الأحيان، يلجأنّ للأعشاب والتركيبات البلديّة لتضييق فتحة المهبل، وهي إجراءات قد توازي خُطورة (العَدَل)، لما تسبّبه من التهابات وتقرُّحَات وجروح قبيحة مُنفّرَة”.
يواصل بروفسير الحسن:
“وإذا كان الغرض من (العَدَل) هو تضييق المهبل، فهذا مفهوم خاطئ. فهو في الواقع يضيّق فتحة المهبل الخارجية فقط، لأن المهبل لا يرجع للوضع الطبيعي أبداً.
ولا يشكّل هذا الضيق أي مُتعة لرجل واعٍ، لأنّه ضيق في المدخل فقط. والأسوأ من ذلك، هو أنّ المرأة عندما تُختن للمرة الثانية، تعود أضيق من الأول، مما يتسبب في حصول تهتكات وفي الغالب نزيف حاد عند أول معاشرة زوجيّة لها بعد الولادة. ولو كان الرجال قبل النساء، يعون مثل هذه المخاطر التي تتعرض لها المرأة “المعدّلة”، فمن المؤكّد أنهم لن يُطالبوا أو يسمحوا لنسائهم بذلك، لأننا كأطباء، نتعبُ كثيراً في عملية فض الختان الذي يتسبب في مشاكل كثيرة عند الولادة، هذا غير احتباس البول وفقدان الإحساس في النهايات العصبية، التي تعطي الإحساس بالرغبة الجنسية، وبدونها، تصبح المرأة باردة، (كما اللوح)، لا تشعر بأي شئ. المؤسف في الأمر، أنّ قانون المهن الطبية غير مُفعّل، مع أنّه ينص على تجريم رتْق الخِتان، وبلا شك، إن تمّت محاكمة أي قابلة أو طبيب ممن يمارسون هذه العملية، لعمل ذلك على زوالها”.
وقد تحدثت حول ذات الموضوع مع الشيخ/محمد هاشم الحكيم، عُضو المجلس الأعلى لعلماء الإسلام الأفارقة، حيث قال:
“إنّ موضوع رتق الختان، ينبع مِن الحُكم الشرعي لختان الإناث. فنحن نؤمن، بأن الله عز وجل، خلق المرأة في أحسن تقويم، وليس من حق أي إنسان أن يتدخل في جسدها، ولا يُوجد أي مُسْتَند شرعي يدُّل على ذلك،
لذا نادينا بالتخلّي عن مُمارسة هذه العادة، لما فيها من أضرار للمرأة، الطفلة، المراهقة والزوجة، قبل وأثناء وبعد الولادة. فإنّ الرسول صلي الله عليه وسلّم، قال: “لا ضَرَر ولا ضِرار”، فبالتالي، ما تقوم به الزوجات من إعادة الختان بعد الولادة، هو بِمثابة إعادة الضرر. فما دامت العادة مُحرّمة وممنوعة، فإن إعادتها مُحَرّمة وممنوعة، وما دامت أن المنطلقات التي تنطلق منها فارغة، فدعوىَ أنها مُرضِيّة لِلرجل ليس لها دليل علمي، لذا، لا يمكن لزوج أن يستمتع بإضرار زوجته نفسيا وجسديا. فهذه “الحِياكة” غير المشروعة حكماً، لا تجعل المرأة طاهرة لأداء الفرائض. أمّا البنات اللاتي يمارسْنَ العَدَل قبل الزواج لتغطية الفضيِحة، فإنّهن في الحقيقة يُمارسنَ غِشّاً وتدْلِيساً، لكن المسألة تحتاج لحسابات، وقد تُفْعَل المَفْسَدة، لِدرء مفسدة أكبر منها”.
ولأن الموضوع ذُو بعد اجتماعي عميق، كانت لنا وقفة قصيرة مع المحلل الاجتماعي، دكتور عبد الرحيم بلال، والذي ابتدر إفادته قائلاً: “العَدَل هو استمرار لظاهرة الختان الرديئة، والنظرة الدُونيّة للمرأة والتي تختزلها في قدرتها الجنسيّة لمنفعة الرجل، والسعي إلى محاولة إغراء الرجال جنسياً وجذبهم، وكأنما العلاقة بين المرأة والرجل هي علاقة جنسية فقط مُجردة من أي عواطف، ناهيك عن أي فكرة أو مضمون، وكأنما المرأة تستمد قيمتها من أعضائها التناسلية، والتي تعمل في خدمة الرجل، وبالتالي، حينما يزول ألق المرأة وجاذبيتها الجنسية، تزول وتذهب هي أيضا، من غير التفكير في قيمتها كإنسان. ويضيف عبد الرحيم: “هذه الممارسة تعتبر إعادة صِياغة للمرأة جسديّاً، من أجل الرجل التقليدي الأناني. فمثلاً،
وهذا خضوع. يمكن لهذه العادة أن تزول، عندما تتغيّر العلاقة بين المرأة والرجل، وتصير علاقة تشاركيّة ذات مضامين فكرية. ولطالما، أنّ المرأة تاريخياً في حالة خوف دائم من أن يتركها الرجل، فهي ستحاول دوماً إرضاءه. فمتى ما تحوّلت هذه العلاقة من الخوف إلى التفاهم، ستنتهي هذه المُمارسة. ومن المؤسف أن نرى هذه العملية تُمارس حتى من قبل النساء المتعلّمات والمثقفات، وهذا يُبيِّن أنهُنّ تَربين على قيم قديمة وبالية، مما يشيء بأنّ المجتمع بأكمله لم يتحرك في اتجاه الحداثة والتغيير، وما زالت تُسيطر عليه التقاليد البائسة. فحتى شباب اليوم، ما زالوا يبحثون عن المرأة “المَقَفلة”، عقلياً وجسدياً”.
إذا طبقنا بالمقابل، مثل هذا السلوك على الرجال عندما تكبر كروشهم وتترهل أجسادهم وتكسو وجوههم التجاعيد وتقل قدرتهم الجنسيّة، نجد النساء يتعايشن مع هذا الوضع، دون مُطالبة الرجال بإجراء عمليات تجميل،
الناشطة في حقوق النساء، منال عبد الحليم، لم تختلف كثيراً مع دكتور بلال، إذ ترى، أنّ مُمارسة (العَدَل) لم تخرج من الإطار الثقافي الاجتماعي الذي تربى فيه الرجال والنساء سوياً، والذي عليه تشكّلت مفاهيمهم. فالمرأة تعتقد أنه لا بُدّ من إرضاء زوجها، وكذلك، يعتقد الرجل في أن تعود له زوجته بعد الولادة كما تزوجها أول مرة… “ترجع ليهو عروس بعد كل ولادة”. فإذا لم تكن مخْتُونة من قبل، فلنْ يتم ختانها بعد الولادة، مِمّا يعني أنها عادة مُرتبطة بِالممارسة الأصليّة، أي الخِتان. وفكرة الختان في الأساس، جاءت لإرضاء الرجل تحت ستار العِفّة والطهارة، إلاّ أنّ الدافع الأساسي من ورائها، هو خفض الرغبة الجِنسيّة للمرأة، حتى لا تكون منافسة ومشاركة للرجل خلال العملية الجنسيّة، مِمّا يصح معه القول، إنّ الختان وتوابعه من عَدَل وغيره، يُمثّل أسوأ أشكال العُنف ضِد النساء، لأنه لا يتوقف عند العنف الجسدي فقط، بل يمتد لأن يكون عنفاً ثقافياً، اجتماعياً، قانونياً ونفسياً، كما أنّ ربط عِفّة وطهارة المرأة بجزء من جسدها، هو في حد ذاته عمليّة مُهينة لكرامتها. ولما كانت عادة “الشلوخ” تُمثّل معياراً للجمال في الماضي، رغم الأذى الجسيم الذي كانت تسببه، إلاّ أنّه مع ذلك سهلت مُحاربتها عندما اختلفت معايير الجمال. ولكن الحال ليس كذلك مع الخِتان، لأنّه قضيّة اجتماعيّة ذات أبعاد سياسيّة مُرتبطة بِرغبة الطرف الأقوّى في المُجتمع، وتصوراته حول المرأة ومتطلبات عُذْرِيّتها ونقائِها. فالقضاء على الخِتان، يتطلب تغييراً اجتماعياً وثقافياً، يعمل على الارتقاء بأوضاع النساء حتى يتمكّن من القضاء على هذه الدوائر، التي تستهلك إنسانيّتَهُنّ وجدوى وجودهُنّ في الحياة.
صفية الصديق، صحفية سودانية تخرجت من جامعة الخرطوم، كلية الآداب قسم الإعلام واللغة الفرنسية 2008. حصلت على الدبلوم العالي من نفس الجامعة في عام 2015 وحاليا تدرس لنيل درجة الماجستير. عملت بالعديد من الصحف ومنظمات المجتمع المدني السودانية.