مصممة الأزياء سودانية- ماذا تقول األزياء عن الشعوب؟


الفنانة سعدية الصلحى

بقلم: امانى محمد العبيد

ولدت سعدية الصلحى فى العام 1941 فى مدينة ام درمان السودانية.  و هى فنانة ألهمت سيرتُها العملية و عملها الرائد فى الفلكلور السودانى والازياء التقليدية، ألهتمت اجيالاً من الفنانين. و كان والدها شيخ دينى و معلم مرموق؛ و كان خطاطاً ماهرا يعكف على تصميم و تلوين الشرافة (الالواح التى تُكتب عليها آى القرأن). إكتشفت الصلحى شغفها بالفن فى بواكير عمرها؛ فعندما كانت فى عمر الثلاث سنوات كانت تصنع مزاميرا من اعواد قصب السكر و ملابس للعرائس من الاقمشة التى كان يجلبها والدها الى المنزل. و عندما دخلت المرحلة الاولية فى عمر الخمس سنوات و عرفت بأنه ليس بإمكانها صناعة ألبسة العرائس مرة اخرى حاولت الهرب. و قد إنحصر جُل إهتمامها فى ذلك الوقت على حياكة الازياء للاعراس و المناسبات التقليدية.

وفى مطلع الستينيات غادرت الصلحى ام درمان إلى القاهرة للدراسة حيث إلتحقت الصلحى بالمعهد العالى للفنون الجميلة فى 1965و بدأت فى دراسة التصميم و الديكور مع التركيز بصفة خاصة على الفن التشكيلى و لتعود بعد ذلك إلى السودان و تلتحق بكلية الفنون الجميلة و التطبيقية حيث أبدت إهتماما ملحوظاً بالفلكلور و الازياء السودانية. و فى العام 1968 إلتحقت بوزارة الثقافة لترأس قسم تصميم الازياء كأول مواطن سودانى يتبوأ ذلك المنصب على الاطلاق.

الإستفادة من دروس الماضى:

و بعد تعيينها فى وزارة الثقافة عكفت و على مدار عامين على إرتياد المتحف القومى و دراسة الممالك السودانية القديمة. و إنطلاقاً من ملاحظاتها الدقيقة للمنحوتات القديمة تمكنت من إعادة إنتاج بعض الازياء التى كانت سائدة فى حضارات السودان القديمة. و كذلك افردت جزءاً من بحثها فى تحليل علاقة الازياء و الاعمال اليدوية بديناميات السلطة المجتمعية مبرزة الدور المؤثر للمرأة فى الممالك القديمة.

و إهتمت اعمال الصلحى بمثابرتها بصفة خاصة على عكس ثراء و تنوع الموروث الثقافى السودانى. فبينما ترك كل من السارى الهندى (الزى الذى يتكون من اربطة طويلة تُلف حول جسد المرأة والذى ترتديه المراة فى جنوب آسيا) و الجلباب العربى أثرهما على أزياء شرق السودان، تركت الثقافة الافريقية بصماتها الخالدة على الازياء فى غرب السودان. و تحاول الصلحى فى كل أعمالها التأكيد على الاصول الافريقية للثقافة السودانية، و فى ذلك تذكر قائلة “تسود الطريقة الافريقية فى  تصفيف الشعر فى السودان، حتى ان الملكة أمانى ؛ذائعة الشهرة فى ذلك الوقت؛ كانت تصفف شعرها على الطريقة الافريقية”.[1]

و ايضاً إهتمت الصلحى فى ابحاثها بسبر غور الدلالات الرمزية المرتبطة بالازياء.فعلى سبيل المثال؛ ترى انه فى سلطنة  دارفور كان السلطان يرتدى الازياء السوداء لإستقبال ضيوفه المهمين، اما اللون الاحمر فكان مرتبطاً بالموت و إرتبط اللون البرتقالى بالصيد. أما فى مملكة سنار فكان اللون يرتبط بالمكانة الاجتماعية للأفراد.[2] فكان شيوخ الطرق الصوفية؛ على سبيل المثال؛ يرتدون اللون الاخضر بينما يرتدى العامة من الجمهور اللون الازرق.

تزكية المعرفة و الاعمال اليدوية السودانية:

خلال عملها فى وزارة الثقافة تبنت أمانى منهجاً عمليا حيث كانت تسافر إلى الاصقاء النائية فى البلاد و الاختلاط مع المجموعات المختلفة و توثيق الازياء اليومية و الطقسية و التقليدية و تجميع العديد من الاعمال اليدوية. و كانت تأمل من وراء كل ذلك على عكس التنوع السودانى المميّز و إقتفاء اثر المعارف و الابداع المحليين. و لكن لم يكن الطريق إلى ذلك دوماً ممهداً، و فى ذلك  تذكر: “ذات مرة كدت ان أُقتل بواسطة رجل من البجا فى شرق السودان، كان يحمل سكيناً و يمنع المصوّر من الدخول إلى حجرة النساء حيث كانت اقوم بإلتقاط بعض الصور لإمرأة و لبعض مواد البجا التقليدية”.[3]

و فى العام 1968 تحصلت الصلحى على عضوية الجمعية الافريقية للمصمميين و كذلك علمت على التعاون اللصيق مع الفنانة كمالة إبراهيم إسحاق حيث قامتا بتشجيع مشاركة المرأة فى الاعمال الفنية و تنظيم المعارض و ورش التدريب فى المدارس فى مناطق مختلفة من البلاد. و لقد كرست الصلحى جهدها للتصدى للتحديات التى تواجه المرأة السودانية و إيجاد الحلول للإرتقاء بحياتهن. فعندما تحققت من عدم فعالية “التوب السودانى” (قطعة قماش طويلة تلف بها المرأة السودانية جسدها) فى حالة المرأة التى ترتاد المركبات العامة و تعمل فى المصانع و المستشفيات قامت بإبتداع و تصميم زى من شانه ان يسهل من حركة المرأة و يغطى  جسدها فى ذات الوقت.

و خلال فترة عملها شاركت الصلحى فى العديد من المعارض و تحصلت على عدد من الجوائز المحلية و العالمية. و فى العام 2010 نزلت الصلحى للمعاش و على الرغم من بلوغها سن ال 75 إلا انها لا تزل تمثل صوتاً عاليا و المدافع الذى لا يحس بالكلل عن تزكية الفلكلور السودانى و الازياء السودانية التقليدية. و ترى الصلحى ضرورة الإنتباه للابعاد الكونية للأزياء مع الابقاء على اصالتها المحلية.

.

أجرت حوار المقال أمانى العبيد مع سعدية الصلحى فى مدينة أم درمان (السوان) فى اكتوبر 29/2016


[1] الكنداكة النوبية هو لقب الملكة فى مملكة كوش المروية القديمة

[2] السلطنة التى حكمت جزء كبير من منظقة شمال شرق أفريقيا فى فترة القرن السادس عشر و حتى التاسع عشر

[3] مجموعة ثقافية تقطن السودان و أجزاء من إرتريا و مصر

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *